استهداف بني إسرائيل بالعداوة حتى الأنبياء منهم
الخطأ الذي يقع فيه هؤلاء, أو النوع الذي نقصده هو: أن كثيراً من الكتاب والباحثين القوميين العرب تأثروا بالصراع اليهودي العربي في الأحقاب الأخيرة وفي العقود الأخيرة؛ فأخذوا يكتبون في هذه القضايا عن أنبياء بني إسرائيل, وعن تاريخ بني إسرائيل وكأنهم أمة عدو لا بد أن تتحين الفرصة لكي تبطل كل أعمالها؛ لكي تبين خطأها في كل مسألة, لكي تبين أنها أمة معتدية, وأنها أمة وحشية, وأنها أمة همجية؛ فأثر هذا بشكل آخر حتى وجدنا انحرافات خطيرة خارجة عن منهج القرآن والسنة في التعامل مع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولا سيما أنبياء بني إسرائيل؛ مثل: موسى وسليمان وداود ومن بعدهم، فضلاً عن جزء مهم من تاريخ بني إسرائيل الذي جاء في القرآن الكريم, والذي نحن نؤمن به ونعتقده؛ لأن بني إسرائيل المؤمنين هم جزء من أمة الإسلام العظيمة التي تمتد من آدم عليه السلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ من الأمة المسلمة الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى بالإسلام ما داموا متبعين لأي نبي من الأنبياء من غير أي تفريق، ولا تفرق أمة الإسلام في القديم والحديث بين أي نبي من الأنبياء.فالأمة الإسلامية أو أمة الإسلام -قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم- المسلمون الحنفاء أتباع أي نبي من الأنبياء؛ كانوا يؤمنون بالأنبياء الذين سبقوا, ويؤمنون بالأنبياء الذين سيأتون، وبعد محمد صلى الله عليه وسلم حيث ختمت النبوة، فالأمة الإسلامية بمعناها الأخير والخاص المعروف الآن في العالم: تؤمن بكل أنبياء الله تعالى ولا تفرق بين أحد منهم.الفكر القومي العربي نحى منحاً آخر؛ وهو استهداف بني إسرائيل بالعداوة, حتى أنبياءهم, حتى التوراة ! فنجد كلاماً خطيراً جداً، نجد هناك توجه إلى القول بأن كل ما جاء في سفر التكوين عن الخلق والخليقة منقول من أساطير أقدم, نجد من يقول: إن شريعة موسى عليه السلام منقولة عن شريعة حمورابي ، ثم يقول: إن حمورابي عربي باعتبار أن السامية أكذوبة وتلفيق، فردوا هم على أكذوبة أو تلفيقات الباحثين المستشرقين اليهود عن السامية بأن جعلوا العربية؛ لكن جعلوا العربية مقدسة وجعلوا اليهودية مدنسة! وليس هذا بصحيح..نعم هناك تاريخ للعرب ما قبل إسماعيل عليه السلام؛ وهم العرب القديمة, وليست سامية، ونحن نقول: إنهم عرب قدماء -وهذا سنوضحه إن شاء الله وقد أشرنا إليه فيما مضى- لكن ذلك لا يعني أنهم على الحق؛ بل هناك منهم المشرك ومنهم المؤمن ومنهم البر ومنهم الفاجر، ومنهم الطواغيت الكبار كما منهم الأنبياء العظام؛ لكن القوميين العرب جعلوا هذا مقابل هذا، فإما أن يُرجعوا كل فضيلة في التوراة أو في الوحي الذي أوحاه الله لبني إسرائيل إلى أصل عربي بأي شكل من الأشكال ولو بالتلفيق أو بالمجازفة، وإما أن يقولوا: لا. إن هذه كلها أباطيل وأساطير ترجع إلى أساطير سومر والفراعنة وغيرهم، كما يتحدثون إذا تحدثوا عن التوحيد وأنه مأخوذ عن أخناتون .حتى الأستاذ عباس محمود العقاد مع تعمقه في هذا، في كتابه: إبراهيم أبو الأنبياء قبل أن تتضح الفكرة القومية بأبعادها التي حدثت فيما بعد أيام الناصرية؛ لكنه مع ذلك كان يجعل الأمرين؛ الإسرائيلية من ناحية، والعربية من ناحية، ويثبت أو يكاد يؤمن بنظرية تطور الدين, ويقارن بين أخناتون وبين عقيدة التوحيد.هذه مع الأسف أيضاً إحدى الانحرافات المنهجية التي وقع فيها المفكرون القوميون العرب وأشباههم، حتى أنك تجد الذم والعيب والنقص لديهم لا يسلم منه الأنبياء!فيفرحون بأي نقيصة يجدونها منسوبة إلى داود عليه السلام مقابل أن الفلسطينيين -كما يزعمون- أو العرب الأصليين أو الذين يسمونهم فلسطينيين, فهم عندما أصبحت القضية عنصرية عرقية يقولون: حرب داود عليه السلام مع جالوت وما حدث كما قصها الله تعالى في القرآن، تأخذ منحى آخر وكأنها شكل متقدم للصراع العربي الصهيوني المعاصر؛ فكل فضيلة تسلب من هذا الجانب وتعطى للفلسطينيين لـ جالوت ولجيشه، وتؤخذ قضية طالوت وداود كما وقع في التوراة المحرفة وأشد من ذلك أيضاً.ونحن إن شاء الله سوف نبين ما وقع في التوراة من تدنيس لمقام النبوة والأنبياء خطأ، إن شاء الله في الحلقة القادمة أو التي بعدها حسب الإمكانية، عندما نبين أن النظرة الكتابية نحن لا نقرها؛ لكن نحن هنا نشير إلى الخطأ الذي قد يحسب على أنه إسلامي! أو يُظن أنه إسلامي!والحقيقة أن هؤلاء الكتّاب وإن كانوا مسلمين إلا أنهم وقعوا في أخطاء كبيرة جداً في هذه المسألة الخطيرة والمهمة؛ لأنهم عاملوها أو نظروا إليها بالنظرة القومية العنصرية، وأسقطوا قضايا حديثة على قضايا قديمة والأمر مختلف تماماً، وهو واضح جداً بالنسبة لمن يؤمن بالله واليوم الآخر، وفي كتب العقيدة وكتب التفسير المسألة هذه لا تحتاج إلى لبس, ولا تحتاج إلى أن تدافع عن أي شيء؛ لأنه عربي أو تثبت عروبته, وإن كان غير ذلك, ولا أن تثبت أن أي أمر آخر أنه باطل وأنه خطأ أو أنه تدنيس أو أنه رجس لمجرد أنه ينتمي إلى الأمة الإسرائيلية, ليس ذلك ولا ذاك.